منير القناص:
ربما كان العنوان مثيرا للجدل: لماذا التركيز على المرأة؟ أليس موضوع الدفاع عن النفس يعني الرجل والطفل كما يعني المرأة؟ من ناحيتي، فقد آثرت التركيز على المرأة لأنها عادة الطرف الأضعف في معادلة الاعتداء على النفس، بينما (نظريا) من واجب المرأة والرجل أن يدافعوا عن الطفل، لأن الطفل مهما بلغ من قوة، فهو يبقى الطرف الأضعف في معظم حالات الاعتداء على النفس.
وفي هذه الحالة، ربما تكون تدريبات تحاشي المواقف الخطرة أكثر جدوى، على الرغم من أن التدرب على فنون القتال هو بناء لجسمه وعقله وشخصيته.
كثيرات هن النساء اللائي لا يعرن أي اهتمام لصحتهن الجسدية، وللأسف فإن نسبة هؤلاء النساء كبيرة في مجتمعاتنا، فتصبح التمارين الرياضية مجرد (موضة) في معظم الحالات، وقليلات هن من أصبحت الرياضة نمط حياة، ولكنهن مع ذلك موجودات بيننا، وأعدادهم في ازدياد.
ولكن سواء زاولت المرأة بعض التمارين الرياضية، أو لم تزاول، فكلتاهما معرضتان لخسارة معركة الدفاع عن النفس في حال تعرضها لموقف عدواني يستهدف ممتلكاتها بل نفسها، مع بعض الأفضلية للتي اعتادت على ممارسة بعض التمارين، فكلتاهما سرعان ما تصبحان في موقف ضعيف لعدة أسباب أهمها نقص الخبرة في مواجهة العنف لأسباب عديدة.
إن بعض أسباب نقص الخبرة هذه مردها إلى انعدام ثقافة الدفاع عن النفس بشكل عام، وهذا المنحى يأخذ شكلا أكثر حدة عندما يتعلق الموضوع بالمرأة. ولكن أسوأ ما في الأمر هو عدم رغبة المرأة في تعلم مثل هذه الأمور كي لا ينظر المجتمع إليها على أنها مسترجلة، وبالتالي تنخفض فرصها في الزواج إن شاع عنها بأنها تتدرب على أي نوع من أنواع الفنون القتالية، التي يعتقد المجتمع الذكوري بأنها تؤثر على أنوثتها، حيث يفترض هذا المجتمع بأن واجب الدفاع عن المرأة يقع على عاتق الرجل والرجل فقط.
الأسباب الأخرى أقل شأنا، ولكنها تبقى مؤثرة: فقلة عدد النوادي التي تفتتح دورات خاصة بالنساء يضاعف من معاناة المرأة التي ترغب بتعلم شيء من تقنيات الدفاع على النفس، ومعظم هذه النوادي تقوم بتدريب الفنون القتالية الأولمبية؛ أي تلك الألعاب ذات الفعالية المنخفضة جدا في المواقف الحقيقية.
فالكاراتيه التي يتم ممارستها في معظم النوادي هي مزيج من الحركات المتناسقة الاستعراضية، وبعض تمارين القوة والمرونة، وفي أحسن الأحوال يسمح ببعض اللمس أثناء القتال الفردي، ولكن الالتحام القاسي ممنوع منعاً باتاً في هذا النوع من الكاراتيه.
أما الجودو فليس مسموحا للاعبه سوى إمساك الخصم من ثيابه وإيقاعه أرضا مع تنفيذ تقنيات الإيقاع بحيث تنخفض احتمالات تأذي الخصم، وليس مسموحاً البتة إمساك الخصم من جلده أو مناطق ضعيفة، كما ليس مسموحاً ضربه وما إلى ذلك، كما تفرض الجودو الالتحام قبل القتال، وبالتالي فمن الصعوبة بمكان لغير اللاعب المتمرس أن يطرح خصمه الأقوى منه والأكثر منه وزناً أرضا في قتال حقيقي إلا بعد أن يصل إلى درجة عالية من الاحتراف.
هذا بالنسبة للفنون الشرقية، ولكن ماذا عن الفنون الغربية؟
المصارعة كالجودو، والملاكمة أفضل قليلا من الكاراتيه، وربما كانت الملاكمة أكثرها جدوى، ولكن أقلها مناسبة للمرأة بسبب الأذى البالغ الذي قد تتسبب به لنفسها أثناء التدريب، كما أنها تركز على القتال الفردي والبعيد بالقبضات فقط، ولكن ماذا عن القتال في وضعية الالتحام؟ وكلتا اللعبتين غير مناسبتين للمرأة لأنها مصممة للرجل ليس جسديا فقط، بل ونفسيا!
إن هذه المقدمة تهدف إلى بيان أمرين اثنين:
أولا: الألعاب القتالية (أو فنون القتال الأولمبية إن صحت التسمية) غير مناسبة لظروف القتال الحقيقي، فهي تركز على الغاية الرياضية: الفوز ضمن قواعد اللعبة، بدلا من تركيزها على الهدف الأساسي للفن القتالي ألا وهو: تجريد الخصم من قوته في أي ظرف.
ثانيا: عدم مناسبة معظم الفنون المرأة العادية، والتي ربما تكون قد فطنت إلى حاجتها لتعلم فنون الدفاع عن النفس بعد أن بلغ بها العمر فلم تعد قادرة على القفز واللكم والركل، ناهيك عن تنفيذ تمارين القوة والمرونة التي تتطلبه هذه (الألعاب القتالية).
وبالتالي لا بد من تكتسب المرأة العادية التي لم يسبق لها وأن مارست أية ألعاب رياضية في السابق، أو التي انقطعت عن ممارستها منذ زمن طويل وأصبحت أما أو تغيرت طبيعة حياتها مع تقدم العمر مهارات فعالة وعملية للدفاع عن النفس.
وكثيرة هي المدارس التي تقدم لهؤلاء الراغبات ما يلزم لهن في العالم الحقيقي والتي تقدم باقة من التقنيات الدفاعية التي تنتمي لعدة فنون كلاسيكية أو مستحدثة والتي تركز على ما هو فعال وقابل للتطبيق في ظروف عدم التكافؤ (أي في معظم المواقف التي تحدث في العالم الحقيقي)، ولكن قليلة هي النوادي التي تتبنى دورات تدريبية في هذا المجال، ولا نعتقد أن السبب هو نقص الكوادر، بقدر ما هو نقص الطلب على المستوى المحلي، وبالتالي انعدام الجدوى الاقتصادية لهذه الدورات.
وبالتالي، فلا بد أن تتولى الجمعيات الأهلية كل بحسب اختصاصه الترويج لثقافة الدفاع عن النفس، وتبني مثل هذه الدورات التي غايتها الأولى تتمثل في الحفاظ على حياة نساء المجتمع.
وكرد مسبق على الادعاءات القائلة بأن مسؤولية الدفاع هي المسؤولية الأولى للرجل، نذكر أصحابها بالحوادث التي لم يكن الرجل فيها موجوداً للدفاع إما لغيابه... أو لتقاعسه عن الاستجابة لصرخات النجدة.
أرجوا أن يعجبكم الموضوع ...[/b]