كل يوم أراك في أحلامي .. في أحلام اليقظة ، مما يجعلني متعلقا بك أكثر حتى أنام ..فأراك كل ليلة بالمنام ..أستطيع التعرف عليك من خيالك ، من صوتك ومن لمستك الناعمة التي تداعب أي شيء يكون أمامها ..لم أستطع التخلي عنك في الطفولة ، كان ذلك ضربا من الخيال ، شيئا مستحيلا لأجد نفسي متعلقا بك أكثر و أكثر حتى بعد ابتعادي عنك ..نعم الأوقات التي قضيتها بقربك ، وتحت كنفك ، لم أستطع نسيان كل تلك الأيام الرائعة ، فكنت أٍراك كل يوم تزداد روعة ورفعة في نظري ..نعم أنت يا أبي ..
حملت عدتي لأسافر ، ظننت أنني شاب قوي وقادر ، ظننت أنني قادر على التخلي عنك و عن خدماتك ، نظرت إلى الطريق أمامي ..كانت شائكة و مليئة بالمصاعب و العقبات ، لم ألتفت إليها و مضيت مسرعا ..و كأنني أناشد حرية ..متعة الكبر و تحمل المسؤولية ،ذاك ما ظننته في البداية ..كانت خطواتي الأولى بدعم منك ..ثم أكملت وحدي ، دخلت في دوامة عاصفة ، لم أستطع خلالها التماسك جيدا ، كنت أطلب طوال الوقت شيئا يدعمني ، كنت أحس بنقصان شيء ما ، شيء مهم جدا ..
رأيت أن أعود في عدة مراحل ، لولا تذكري لتربيتك لي ، لكل المبادئ التي علمتني إياها ،علمتني ألا أستسلم ..علمتني عدم التواكل ..علمتني الصبر ، فمضيت قدما و بخطوات ثابتة جدا ، ثبتها المبادئ الطيبة و الغرس الأصيل الذي غرسته فيّ ..كنت أشتاق إليك في كل عقبة تقف أمامي ، و أتمنى أن تكون معي في كل نصر و مناسبة كانت تأتي أمامي ..عرفت كم كانت مسؤوليتك صعبة في هذه الحياة ، كيف ربيتني و تعبت في تربية أخوتي جميعا ..فكنت خير أب ..كنت الأفضل على الإطلاق ..
مازلت أشعر بك و بكل لحظة أمضيتها معي في طفولتي ، تعلمني و تربيني ، كم سهرت ، كم تعبت ، كم تعذبت معنا ، كم تكبدت من عناء ، كم تجاوزت عنا ، كم حافظت علينا ، بل على كل واحد فينا ..
رسمت هدفي أمامي و صممت على الوصول إليه ..أوتعرف لماذا ؟ ..لأجلك ..لأجلك وحدك ..صحيح أن الحياة تطلب من كل واحد منا بل و تفرض على كل واحد منا أن يكترث لنفسه ، ثم فلينظر لغيره ..ولكن ليست الحياة من تعلمني ، ليست كلمات تجارب هي التي تحدد طريقتي في العيش ..أرى أن الدين الذي جاءنا به خير البشر ، و الذي لك الفضل في تعلمي له اختصر علينا نحن البشر الضعاف الكثير و الكثير لنفكر ..ليست الحياة معلمتي ..معلمي هو أنت يا والدي ..لهذا فكل ما أقوم به من أعمال خير ، قصارى جهدي لك ولأجلك وحدك ..أنت الذي غرست ، و أنت الذي تحصد ..هذا ما جاء في ديننا الحنيف ..أوليس هذا ما جاء به بالضبط ..أنت و مالك لأبيك ..بل أنت و كلك لأبيك ..
ربما كانت هذه السطور مبالغة في نظر الكثيرين ، و لكنها بسيطة جدا جدا جدا أمام كلمة واحدة كنت قد قلتها في صبايا ..كلمة "ولدي " ..نعم ما أغلاها كلمة تدق مع كل دقة من دقات قلبي ، و تنبض مع كل حرف أنطق به منذ بلغت أشدي ...
الطريق الآن أمامي واضحة ..مستقيمة ، شائكة ..وأنا على أتم الإستعداد للمضي فيها ، لأنك علمتني ذلك ..ولن أنس ما تعلمته يوما ..لن أفعل إن شاء الله ..
محمد توفيق صابر
25/12/2007
الــــــــــــــــــــــــــــــجزائر