أدمن الجلوس إلى كرسي النت..هربت منه الساعات الثمينة التي يتسكع فيها في شوارع المدينة باحثا عن اللاشيء..
عيناه زائغتان ؛ يكتفي اكتحالهما بالسلع المعروضة.. وجاحظتان في مراقبة "عيون المها تجلب له الهوى من حيث يدري ولا يدري"..
يدلف.. تداعب أنامله لوحة التحكم، ويستسلم لدردشة يحضر فيها صوتها، وتعمل مخيلته على رسم ليلاه بفستانها الأبيض الطويل تجرجره ومن خلفها تلتقطه الحسناوات مبتسمات..
تصله ضحكتها التي تطيح به مستسلما لسيل جارف من "حب" مكنون لا يقوى على مقاومته..
محياها الباسم بأسنان مصفوفة كحبات رمان، والذهب الأصفر المنسدل على كتفيها كنهر من لجين، أفقداه صوابه فأصدر ضحكة مدوية كادت نواجذه أن تهرب من مرابعها..
ساذجة أنت يا كنزي.. يتحسس جيبه المسكون بعناكب طال مكوثها، ولم تدخله سوى دريهمات من بقية مصاريف البيت تفنن في اقتناصها..
يغادر المكان بإشارات لصاحب النت بالدفع المؤجل ..
بقية من أيام، يعدها عدّا، وتحضر العروس.. هي ذي تنزل من الطائرة، يطوقها بذراعيه المرتجفتين، ويحملق فيها بعينين أضناهما السهر..
داعبها بكلمات وهو يرحب بها على أرضية المطار، ثم في السيارة المستأجرة .. أعجبها الطريق الطويل المخضر ، وكورنيش البحر الذي تصل منه نسائم عليلات، داعبت خصلات شعرها الذي غزته بعض الشعرات البيضاء ..
حطت رحالها.. صعقت الأم لهول ما رأت.. وسألت:
ـ أهذه عروسك أم أمها؟
ـ لا عليك يا أمي ؛ إنها فقط متعبة ..
جالت العروس ببصرها تستنطقه عن سبب حيرة الأم..
صرفها عن الموضوع ليقدم لها بعض ضيفات العرس.. قالت:
ـ كم هن جميلات يا كغيم(كريم)..!!
استمعت (هي) بشهر عسل .. ثم طارت به إلى هنالك لتنفرد به، ولتطلعه أنها بحملها في شهرها الخامس..
وطمأنته أنها ستنجب له ولدا لن يشاركه فيه أحد..
هربت الابتسامة من كريم، وافتر فوه عن تمطيطة لم يعرف لها كنها، وأحس بمرارة تجتاز حلقه وتطمئن به في ردهة محطة.. مهجورة